الصندوق

((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))

فى لواء رسول الله

اذا أردت تكبير الخط

+ + + + +

الجمعة، 16 يوليو 2010

تعليم الأطفال التوحيد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله الذى أنعم علينا بنعمة الاسلام وأرشدنا الى الطريق القويم والمنهج المستقيم وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس أمة خير الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
لقد بينت من قبل أهمية دروس العقيدة والتوحيد للفرد المسلم ولكن درسى اليوم مع أولادنا الصغار فيجب على الإنسان المؤمن أن يعلم أطفاله التوحيد قبل تعلمهم القرآن حتى يصير إنساناً كاملاً على فطرة الإسلام وموحداً جيداً على طريقة الإيمان ويكون ذلك عن طريق سؤال وجواب باسلوب سلسل سهل باذن الله:

س1: إذا قيل لك : من ربك؟
ج: فقل : ربي الله.

س2: وما معنى الرب؟

ج: فقل : المالك المعبود والمعين ... الله ... ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.


س3: فإذا قيل لك : بما عرفت ربك؟

ج: فقل : أعرفه بآياته ومخلوقاته، ومن آياته: الليل والنهار، والشمس والقمر.
ومن مخلوقاته: السموات والأرض، وما فيهما، والدليل على ذلك قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } إلى قوله: { تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ الأعراف:54 ].


س4: فإن قيل لك: لأي شيء خلقك؟

ج: فقل : لعبادته وحده لا شريك له، وطاعته بمثال ما أمر به، وترك ما ينهى عنه، كما قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56].
وكما قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } [ المائدة:72 ].
والشرك : أن يجعل لله نداً يدعوه، ويرجوه، أو يخافه، أو يتوكل عليه، أو يرغب إليه من دون الله، وغير ذلك من أنواع العبادات.
فإن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
ومنها الدعاء، وقد قال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [الجن:18].
والدليل على أن دعوة غير الله كفر، كما قال تعالى: { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون:117].
وذلك أن الدعاء من أعظم أنواع العبادات، كما قال ربكم: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60].
وفي ((السنن)) : عن أنس مرفوعاً : ((الدعاء مخ العبادة)).
وأول ما فرض الله على عباده الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
والطاغوت: ما عبد من دون الله أو الشيطان، والطاغوت ، والكهانة، والمنجم، ومن يحكم بغير ما أنزل الله، وكل متبوع مطاع على غير الحق.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: (( الطاغوت: ما يجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع )).


س5: فإذا قيل لك: ما دينك؟

ج: فقل : ديني الإسلام.
ومعنى الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة وموالاة المسلمين ، ومعاداة المشركين.
قال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ }[آل عمران:19]، وقال: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ }[آل عمران:85].
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : (( أنْ تَشْهَدَ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ ، وتُقيِمَ الصَّلاَةَ، وتُؤْتِيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضان، وتحُجَّ البيتَ إن اسْتطعْتَ إليه سَبِلاً )).

ومعنى لا إله إلا الله:
أي لا معبود حق إلا الله ... كما قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26-28].

والدليل على الصلاة والزكاة: قوله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة:5].
فبدأ في هذه الآية بالتوحيد والبراءة من الشرك : أعظم ما أمر به التوحيد ، وأكبر ما نهى عنه الشرك، وأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا هو معظم الدين وما بعده من الشرائع تابع له.
والدليل على فرض الصيام: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } إلى قوله: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة:183-185].
والدليل على فرض الحج : قوله تعالى : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } [آل عمران:97].


وأصول الإيمان ستة:
أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
ودليله ما في ((الصحيح)) من حديث عمر بن الخطاب الحديث .


س6: وإذا قيل لك : من نبيك؟

ج: فقل : نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
اصطفاه الله تعالى من قريش وهم صفوة ولد إسماعيل، وبعثه إلى الأحمر والأسود، وأنزل عليه الكتاب والحكمة تدعي الناس إلى إخلاص العبادة و ترك ما كانوا يعبدون من دون الله من : الأصنام – الأحجار- والأشجار، والأنبياء، والصالحين، والملائكة، وغيره.
فدعى الناس إلى ترك الشرك وقاتلهم إلى تركه وأن تخلصوا لعبادة الله كمال قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن:20].
وقال تعالى: { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي } [الزمر:14].
وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } [الرعد:36].
وقال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:64-66].
ومن أصول الإيمان المنجي من الكفر: الإيمان بالبعث، والنشر، والجزاء، والحساب، والجنة، والنار حق.
قال تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55].
وقال تعالى:{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [الرعد:5].
وفي الآية دليل على أن من جحد البعث كفر كفراً يوجب الخلود في النار.
أعاذنا الله من الكفر وأعمال الكفر فضمت هذه الآيات بيان ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من إخلاص العبادة لله، والنهي عن عبادة غير الله وقصر العبادة على العبادة ، وهذا دينه الذي دعى الناس إليه، وجاهدهم عليه كما قال تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه } [الأنفال:39].
وقد بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فدعا الناس إلى الإخلاص، وترك عبادة ما سوى الله نحواً من عشر سنين، ثم عرج به إلى السماء وفرض عليه الصلوات الخمس من غير واسطة بينه وبين الله تعالى في ذلك، ثم أمر بعد ذلك بالهجرة فهاجر إلى المدينة، وأمر بالجهاد، فجاهد في الله حق جهاده نحواً من عشر سنين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، فلما تمت ثلاث وستون سنة – والحمد لله – تم الدين وبَلَغَ البَلاغ من إخبار الله تعالى له بقبضه صلوات الله عليه وسلم.
وأول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. مما قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء:163].
وقال تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ } [آل عمران:144].
وقال تعالى: { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [الأحزاب:40].


وأفضل الرسل: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأفضل البشر بعد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم: أبو بكر رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه .. ورضي الله عنهم أجمعين.
وخير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.



لكم سلامى
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لااله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك


الخميس، 15 يوليو 2010

الدرس الرابع (توحيد الربوبية الجزء الثانى )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة والصلاة على خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً

أخوتى :
إن الله تعالى أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، وقدوة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، بين به وبما أنزل عليه من الكتاب والحكمة كل ما فيه صلاح العباد واستقامة أحوالهم في دينهم ودنياهم، من العقائد الصحيحة و الأعمال القويمة والأخلاق الفاضلة والآداب العالية، فترك صلى الله عليه وسلم أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فسار على ذلك أمته الذين استجابوا لله ورسوله، وهم خيرة الخلق من الصحابة والتابعين والذين اتبعوهم بإحسان، فقاموا بشريعته وتمسكوا بسنته، وعضوا عليها بالنواجذ عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً، فصاروا هم الطائفة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى وهم على ذلك.

ونحن - ولله الحمد - على آثارهم سائرون، وبسيرتهم المؤيدة بالكتاب والسنة مهتدون، نقول ذلك تحدثاً بنعمة الله تعالى، وبياناً لما يجب أن يكون عليه كل مؤمن، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإخواننا المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب
فلما كانت العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام وأساس الملة رأيت أن تكون هي أول ما أبدأ به السلاسل التى وعتدكم اياها.



ولقد تكلمنا فى الدرس الأول عن فضل العقيدة وتكلمنا أيضا بشىء من الاجمال عن أصولها الستة
ثم تكلمنا عن معنى التوحيد وأقسامه وكيفية تحقيقه ثم تكلمنا عن لااله الا الله

ثم شرعنا فى القسم الأول من التوحيد وهو توحيد الربوبية
وبينا معنى توحيد الربوبية وإقرار المشركين به
وسوف نكمله اليوم ان شاء رب الأرباب


مفهوم كلمة الرّبِّ في الكتاب والسنة

الرّبُّ في الأصل‏:‏ مصدرُ ربَّ يَرُبُّ، بمعنى‏:‏ نشَّأ الشيءَ من حال إلى حال إلى حال التمام، يُقالُ‏:‏ ربَّه وربَّاه وربَّبَهُ، فلفظ ‏(‏رب‏)‏ مصدر مستعار للفاعل، ولا يُقالُ‏:‏ ‏(‏الرَّبُّ‏)‏ بالإطلاق؛ إلا لله تعالى المتكفل بما يصلح الموجودات، نحو قوله‏:‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة/2‏]‏، ‏{‏رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء/26‏]‏‏.‏
ولا يقال لغيره إلا مضافًا محدودًا، كما يقال‏:‏ رب الدار؛ وربُّ الفرس‏.‏ يعني صاحبُها، ومنه قولُه تعالى حكاية عن يوسف عله السلام‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏}‏ ‏[‏يوسف/42‏]‏ على قول في تفسير الآية‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏يوسف/50‏]‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا‏}‏ ‏[‏يوسف/41‏]‏‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم في ضالة الإبل‏:‏ ‏(‏حتى يجدها ربها‏)‏ ‏[‏من حديث متفق عليه‏]‏‏.‏
فتبين بهذا‏:‏ أن الرب يطلق على الله معرفًا ومضافًا، فيقال‏:‏ الرب، أو رب العالمين، أو رب الناس، ولا تُطلق كلمة الرّبِّ على غير الله إلا مضافة، مثل‏:‏ رب الدار، ورب المنزل، ورب الإبل‏.‏
ومعنى ‏(‏رب العالمين‏)‏ أي‏:‏ خالقهم ومالكهم، ومصلحهم ومربهيم بنعمه، وبإرسال رسله، وإنزال كتبه، ومجازيهم على أعمالهم‏.‏ قال العلامة ابن القيم رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإنَّ الربوبية تقتضي أمر العباد ونهيهم، وجزاء مُحسنهم بإحسانه، ومُسيئهم بإساءته‏)‏ .‏
هذه حقيقة الربوبية‏.‏

مفهوم كلمة الرب في تصورات الأمم الضالة

خلق الله الخلق مفطورين على التوحيد، ومعرفة الرب الخالق سبحانه، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الروم/30‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا‏}‏ ‏[‏الأعراف/172‏]‏‏.‏
فالإقرارُ بربوبية الله والتوجه إليه أمر فطري، والشرك حادث طارئ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلُّ مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه‏)‏ ‏[‏رواه الشيخان‏]‏، فلو خُلِّيَ العبد وفطرته لاتجه إلى التوحيد وقَبِل دعوة الرسل؛ الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، ودلّت عليه الآيات الكونية، ولكن التربية المنحرفة والبيئة الملحدة هما اللتان تغيران اتجاه المولود، ومن ثَمَّ يقلد الأولاد آباءهم في الضلالة والانحراف‏.‏
يقولُ الله تعالى في الحديث القدسي‏:‏ ‏(‏خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين‏)‏ ‏[‏رواه أحمد ومسلم‏]‏ أي‏:‏ صَرَفَتْهُم إلى عبادة الأصنام، واتخاذها أربابًا من دون الله؛ فوقعوا في الضلال والضياع، والتفرق والاختلاف؛ كل يتخذ له ربًّا يعبده غير رب الآخر؛ لأنهم لما تركوا الرب الحق، ابتُلُوا باتخاذ الأرباب الباطلة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏ ‏[‏يونس/32‏]‏ والضلال ليس له حدّ ونهاية، وهو لازم لكل من أعرضَ عن ربه الحق، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ‏}‏ ‏[‏يوسف/39، 40‏]‏‏.‏
والشّركُ في الربوبية باعتبار إثبات خالقين متماثلين في الصفات والأفعال ممتنع، وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون، وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات، فتلاعَبَ بكل قوم على قدر عقولهم، فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى؛ الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم، كقوم نوح، وطائفةٌ اتخذت الأصنام على صورة الكواكب؛ التي زعموا أنها تؤثر على العالم، فجعلوا لها بيوتًا وسدنة‏.‏
واختلفوا في عبادتهم لهذه الكواكب‏:‏ فمنهم من عبد الشمس، ومنهم من عبد القمر، ومنهم من يعبدُ غيرهما من الكواكب الأخرى؛ حتى بنوا لها هياكل، لكل كوكب منها هيكل يخصه، ومنهم من يعبدُ النار، وهم المجوس، ومنهم من يعبد البقر، كما في الهند، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبدُ القبور والأضرحة، وكل هذا بسبب أن هؤلاء تصوروا في هذه الأشياء شيئًا من خصائص الربوبية‏.‏
فمنهم من يزعم أن هذه الأصنام تمثل أشياء غائبة، قال ابن القيم‏:‏ ‏(‏وضع الصنم إنما كان في الأصل على شكل معبود غائب، فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته؛ ليكون نائبًا منابه، وقائمًا مقامه‏.‏ وإلا فمن المعلوم أن عاقلًا لا ينحت خشبة أو حجرًا بيده، ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ انتهى ‏.‏
كما أن عُبَّاد القبورِ قديمًا وحديثًا، يزعمون أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم، ويتوسطون لهم عند الله في قضاء حوائجهم ويقولون‏:‏ ‏{‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏، ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏
كما أن بعض مشركي العرب والنصارى تصوروا في معبوداتهم أنها ولد الله، فمشركو العرب عبدوا الملائكة على أنها بنات الله، والنصارى عبدوا المسيح - عليه السلام - على أنه ابن الله‏.‏


الرد على هذه التصورات الباطلة

قد رد الله على هذه التصورات الباطلة جميعًا بما يأتي‏:‏
أ ـ ردّ على عبدة الأصنام بقوله‏:‏ ‏{‏أَفَرَأيْتُمُ الَّلاَتَ وَالعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى‏}‏ ‏[‏يونس/18‏]‏‏.‏
ومعنى الآية كما قال القرطبي‏:‏ أفرأيتم هذه الآلهة‏!‏ أنفعت أو ضرت؛ حتى تكون شركاء لله تعالى‏؟‏ وهل دفعت عن نفسها حينما حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهدموها‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء/69-74‏]‏‏.‏
فقد وافقوا على أنَّ هذه الأصنامَ لا تسمعُ الدعاءَ ولا تنفعُ ولا تضر، وإنَّما عبدوها تقليدًا لآبائهم، والتقليد حجة باطلة‏.‏
ب ـ ورد على من عبد الكواكب والشمس والقمر بقوله‏:‏ ‏{‏وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف/54‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت/37‏]‏‏.‏
جـ ـ ورد على من عبد الملائكة والمسيح - عليهم السلام - على أنهم ولد الله - بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ‏}‏ ‏[‏الأنعام/101‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏الإخلاص/3، 4‏]‏‏.‏
الكونُ وفطرتُهُ في الخُضُوعِ والطَّاعةِ لله
إنَّ جميع الكون بسمائه وأرضه وأفلاكه وكواكبه، ودوابه وشجره ومدره وبره وبحره، وملائكته وجنه وإنسه؛ كله خاضع لله، مطيع لأمره الكوني، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏83‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة/116‏]‏، ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/49‏]‏، ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الحج/18‏]‏، ‏{‏وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏15‏]‏‏.‏
فكُلُّ هذه الكائنات والعوالم؛ مُنقادة لله خاضعة لسلطانه؛ تجري وفق إرادته وطوع أمره، لا يستعصي عليه منها شيء؛ تقوم بوظائفها، وتؤدي نتائجها بنظام دقيق، وتنزه خالقها عن النقص والعجز والعيب، قال تعالى‏:‏ ‏{‏تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏}‏ ‏[‏الإسراء/44‏]‏‏.‏
فهذه المخلوقات صامتها وناطقها، وحيها وميتها، كلها مُطيعةٌ لله مُنقادة لأمره الكوني، وكُلُّها تنزه الله عن النقائص والعيوب بلسان الحال، ولسان المقال‏.‏ فكلما تدبّر العاقل هذه المخلوقات؛ علم أنها خُلقت بالحق وللحق، وأنها مسخرات ليس لها تدبير ولا استعصاء عن أمر مدبرها؛ فالجميع مُقِرُّون بالخالق بفطرتهم‏.‏
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -‏:‏ ‏(‏وهم خاضعون مُستسلمون، قانتون مضطرون، من وجوه‏:‏
منها‏:‏ علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه‏.‏
ومنها‏:‏ خضوعُهُم واستسلامهم لما يجري عليهم من أقداره ومشيئته‏.‏
ومنها‏:‏ دعاؤهم إياهُ عندَ الاضطرار‏.‏
والمؤمن يخضع لأمر ربه طوعًا؛ وكذلك لما يقدره عليه من المصائب، فإنه يفعلُ عندها ما أمر به من الصبر وغيره طوعًا؛ فهو مسلم لله طوعًا، خاضع له طوعًا ‏.‏ والكافرُ يخضع لأمر ربه الكوني، وسجود الكائنات المقصود به الخضوعُ، وسجود كل شيء بحَسَبِه، سُجودٌ يناسبه ويتضمَّنُ الخضوع للرب، وتسبيح كل شيء بحسبه حقيقةً لا مجازًا‏)‏‏.‏
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران/83‏]‏‏.‏
قال‏:‏ ‏(‏فذكر سبحانه إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛ لأن المخلوقات جميعها متعبدة له التعبد التام؛ سواء أقر المقر بذلك أو أنكره؛ وهم مَدينون له مُدَبَّرون؛ فهمُ مسلمون له طوعًا وكرهًا، وليس لأحد من المخلوقات خروج عمَّا شاءه وقدَّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكُهُم، يصرفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلهم، وبارئهم ومصورهم، وكل ما سواه فهو مربوب مصنوع، مفطور فقير محتاج مُعبَّدٌ مقهور؛ وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصور‏)‏ ‏.‏


منهج القرآن في إثبات وُجُودِ الخالقِ ووحدانيَّته

منهجُ القرآن في إثبات وجود الخالق ووحدانيته؛ هو المنهج الذي يتمشّى مع الفطر المستقيمة، والعقول السليمة، وذلك بإقامة البراهين الصحيحة، التي تقتنع بها العقول، وتسلم بها الخصوم، ومن ذلك‏:‏
1 ـ من المعلوم بالضرورة أن الحادث لابد له من محدث
هذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة؛ حتى للصبيان؛ فإنَّ الصَّبيَّ لو ضربَهُ ضاربٌ، وهو غافلٌ لا يُبصره، لقال‏:‏ من ضربني‏؟‏ فلو قيل له‏:‏ لم يضربكَ أحدٌ؛ لم يقبل عقلُهُ أن تكونَ الضَّربةُ حدثت من غير محدث؛ فإذا قيل‏:‏ فلان ضربَكَ، بكى حتى يُضرَبَ ضاربُهُ؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ‏}‏ ‏[‏الطور/35‏]‏‏.‏
وهذا تقسيم حاصر، ذكره الله بصيغة استفهام إنكاري؛ ليبيّن أنَّ هذه المقدمات معلومة بالضرورة، لا يمكن جحدها، يقول‏:‏ ‏{‏أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ‏}‏ أي‏:‏ من غير خالق خلقهم، أم هم خَلَقوا أنفسهم‏؟‏ وكلا الأمرين باطلٌ؛ فتعين أن لهم خالقًا خلقهم، وهو الله سبحانه، ليسَ هُناك خالق غيره، قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ‏}‏ ‏[‏لقمان/11‏]‏‏.‏
‏{‏أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الأحقاف/4‏]‏‏.‏
‏{‏أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ‏}‏ ‏[‏الرعد/16‏]‏، ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ‏}‏ ‏[‏الحج/73‏]‏‏.‏
‏{‏وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/20‏]‏‏.‏
‏{‏أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل/17‏]‏‏.‏
ومع هذا التحدي المتكرِّر لم يدَّع أحدٌ أنه خلقَ شيئًا، ولا مجرد دعوى - فضلًا عن إثبات ذلك -، فتعيَّنَ أن الله سُبحانه هو الخالقُ وحدَهُ لا شريك له‏.‏
2 ـ انتظام أمر العالم كله وإحكامه
أدلُّ دليل على أنَّ مدبره إلهٌ واحد، وربٌّ واحدٌ لا شريك له ولا مُنازع‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏المؤمنون/91‏]‏‏.‏
فالإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله آخر، يُشاركه في مُلكه - تعالى الله عن ذلك - لكان له خلق وفعل، وحينئذٍ فلا يرضى شِركَةَ الإله الآخر معه؛ بل إن قدر على قهر شريكه وتفرَّد بالملك والإلهية دونَهُ؛ فعل‏.‏ وإن لم يقدر على ذلك، انفرد بنصيبه في الملك والخلق؛ كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بملكه، فيحصل الانقسام‏.‏ فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور‏:‏
أ ـ إما أن يقهر أحدهما الآخر وينفردَ بالملك دونه‏.‏
ب ـ وإما أن ينفردَ كُلُّ واحد منهما عن الآخر بملكه وخلقه؛ فيحصل الانقسام‏.‏
جـ ـ وإما أن يكونا تحت مَلِكٍ واحدٍ يتصرّفُ فيهما كيف يشاء؛ فيكون هو الإله الحق وهم عَبيدُه‏.‏
وهذا هو الواقعُ، فإنه لم يحصل في العالم انقسام ولا خلل؛ مما يَدُلُّ على أنَّ مدبره واحدٌ، لا منازع له، وأن مالكه واحد لا شريك له‏.‏
3 ـ تسخيرُ المخلوقاتِ لأداء وظائفها، والقيام بخصائصها
فليسَ هُناك مخلوق يستعصي ويمتنع عن أداء مهمته في هذا الكون، وهذا ما استدل به موسى - عليه السلام - حين سأله فرعون‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى‏}‏ أجاب موسى بجواب شافٍ كافٍ فقال‏:‏ ‏{‏رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}‏ ‏[‏طه/49، 50‏]‏ أي‏:‏ ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به؛ من كبر الجسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته، ثم هدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهدايةُ هي هداية الدلالة والإلهام وهي الهدايةُ الكاملةُ المشاهدَةُ في جميع المخلوقات، فكلُّ مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضَارِّ عنه، حتى إنَّ الله أعطى الحيوان البهيم من الإدراك؛ ما يتمكن به من فعل ما ينفعه، ودفع ما يضره، وما به يؤدي مهمته في الحياة، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ‏}‏ ‏[‏السجدة/7‏]‏‏.‏
فالذي خلق جميعَ المخلوقات، وأعطاها خلقَها الحسنَ - الذي لا تقترح العقول فوق حسنه - وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكارُهُ إنكارٌ لأعظم الأشياء وجودًا، وهو مكابرة ومُجاهرة بالكذب، فالله أعطَى الخلق كل شيء يحتاجون إليه في الدنيا، ثم هداهم إلى طريق الانتفاع به، ولاشك أنه أعطى كل صنف شكلَه وصورتَهُ المناسبة له، وأعطى كل ذكر وأنثى الشّكلَ المناسبَ له من جنسه، في المناكحة والألفة والاجتماع، وأعطى كل عضو شكله الملائم للمنفعة المنوطة به، وفي هذا براهين قاطعة على أنه جل وعلا رَبُّ كُلِّ شيء، وهو المستحقُّ للعبادةِ دون سواه‏.‏‏.‏‏.‏
وفي كُـلِّ شـيءٍ لَـهُ آيـةٌ ** تَدلُّ على أنّه الواحدُ
ومما لا شك فيه أنَّ المقصودَ من إثبات ربوبيته - سبحانه - لخلقه وانفراده لذلك‏:‏ هو الاستدلال به على وجوب عبادته وحده لا شريك له؛ الذي هو توحيد الألوهية، فلو أن الإنسان أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية أو لم يَقُمْ به على الوجه الصحيح؛ لم يكن مسلمًا، ولا موحدًا؛ بل يكون كافرًا جاحدًا


و بهذا نكون قد أتممنا هذا القسم من التوحيد وسوف نعيش فى الرسالة القادمة بمشيئة رب الأرض والسماء مع توحيد الألوهية


أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وان ينور قلوبنا ويشرح صدورنا وأن يرزقنا الاخلاص فى القول والعمل وأن لايحرمنا من لذة النظر الى الحبيب العدنان صلى الله عليه وسلم وأن يحشرنا معه صلى الله عليه وسلم فى جنته ودار مقامته انه ولى ذلك والقادر عليه

لكم سلامى
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لااله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك